موقع استقلالي سيادي : ناشر ورئيس التحرير وسيم ماضي
متفرقات

المخدرات تنتشر في طرابلس: نعرف المدمنين من مشاكلهم

في الأشهر الماضية، لم تعد حملة الاعتقالات المُكثّفة لشبابٍ في طرابلس، تقتصر على تُهمة الانتماء إلى منظمات إرهابيّة أو التخابر معها، بل إنّ المُتّهمين بتعاطي المخدرات والترويج لها، تتزايد أعدادهم بوتيرةٍ غير مسبوقة. هذه الظاهرة، التي كانت ممارستها قبل سنواتٍ مقيّدة بالكتمان، تحولت إلى سلوكٍ علنيّ يمارسه شبابٌ أمام الملأ، في الشارع والبيوت، بعدما أصبحت آلية الحصول على المواد المخدِّرة سهلة ومتاحة للجميع. 
تأخذ منطقة باب التبانة، والأحياء الفقيرة المجاورة لها، حصّة وافية من تفشّي حالات الإدمان. اعتقالاتٌ ومداهمات يوميّة، تتولى مهمتهما القوى الأمنية. “المخدِّرات في كلِّ مكان. في المقاهي والشارع ومحال الكومبيوتر. تعودنا على تردد الأجهزة الأمنية إلى المنطقة، فلا يمرُّ يوم من دون توقيف شبابٍ بعد ملاحقتهم لتعاطيهم المخدرات”، يقول أبو أحمد من سكان المنطقة. 
شباب يدمنون

حالةٌ من الهروب الدائم، يعيشها هؤلاء الشباب خوفاً من القبض عليهم. تتحدث والدة م.، عن معاناتها مع ابنها (18 عاماً) الذي لم تستطع ضبط سلوكه منذ أن توفّى والده. “ترك المدرسة وهو في صفّ الثالث ابتدائي. كان شقيّاً لا يحبُّ الدرس، يبقى في الشارع مع جيران الحيّ. بعدما توفى والده في العام 2011، ونحن نعيش أوضاعاً اقتصاديّة صعبة، أصبح وضعه مأساوياً. في البدء، أخبرنا الجيران عن تعاطيه الحبوب المخدّرة في الشارع. حاول أن يتعلم مهناً عدّة لكنه لم يفلح، فتدهور وضعه إلى الأسوأ. ينام طوال النهار ويسهر ليلاً بين الشارع والبيت وهو يشرب الكحول ويتناول حبوب الهلوسة. مع الوقت، فقد السيطرة على نفسه وجسده وأعصابه، فأصبح مدمناً، يتفادى الجميع التعاطي معه. يمشي متهالكاً، آثار التشطيب على وجهه ويديّه والندوب على كامل جسمه من دون أن يشعر بالألم. وهو حالياً في السجن كما جرت العادة. يدخل ويخرج”. 
وفي حين أنّ م. يقضي أيامه بين السجن وإطلاق سراحه، يتحدث ط.، وهو أحد الشباب المدمنين في العشرينات من عمره، عن آلية تعاطيه المخدِّرات مع أصدقائه في الشارع، من دون الإفصاح عن كيفيّة الحصول على هذه المواد. فـ”أحياناً، نمزج حبوب دواء بينزكسول مع الويسكي أو مع النرجيلة، كي لا يكشفنا أحد. فكل ما نحتاج إليه حبة أو حبة ونصف، كي نشعر بالراحة. أما ما يزيد عن 4 حبات، فسيجعلنا نفقد وعينا ونسقط على الأرض. وهناك أيضاً من يؤمن لنا كميّات من الحشيش مقابل أن نروج لها”. فـ”نحن نعرف أنّ حياتنا غير صحيحة، لكن لا نجد ما نفعله، فنمضي معظم أوقاتنا معاً، للتخفيف عن أنفسنا”. 
في باب التبانة، ثمّة صعوبة في الحديث مع أشخاصٍ مدمنين، رغم وجودهم بكثرة، إذ إنّ هاجس القبض عليهم، يجعلهم يخافون الغرباء. الحاج منير، وهو بائع خضار يعرف شباب المنطقة، يقول: “لا يمكن أن نستهين هنا بأعداد الشباب المدمنين، فهم ليسوا قلّة. نعرفهم من وجوههم ومن المشاكل التي تحصل معهم في الشارع، وهم يشكلون خطراً كبيراً علينا”.
بين التاجر والمروج والمدمن

يُشير المنسق العام للهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات محمد مصطفى عثمان، إلى أنّه وفق نتائج عمل جمعية الشباب اللبناني للتنمية، التي يرأسها، ثمّة انتشار لحالات الإدمان في سائر مناطق طرابلس وبين جميع أبناء طبقات المدينة، غير أنّ ظهورها العلني يتركز أكثر في الأحياء الفقيرة، حيث يفقد المدمنون إمكانية تعاطي المواد المخدّرة بمنأى عن محيطهم. 
ويقول لـ”المدن”: “في منطقة التبانة وجوارها، نشهد انتشاراً كبيراً لأعداد المدمنين الذين يرتبطون بمروجين لا يمكن تحديد مكانهم لأنّهم يمدون شبكة علاقات مع مدمنين يرضخون إلى ترهيبهم في أنحاء طرابلس. أما تجّار المخدرات، فرغم استحالة الوصول إليهم، نستبعد وجودهم في الشمال عموماً، لأنّ تجارة المخدرات شائعة في محافظة البقاع. وهذا الارتفاع الملحوظ في انتشار حالات الإدمان في باب التبانة، لا يعود سببه إلى البطالة والتسرب المدرسي وسوء الوضع الاجتماعي فحسب، وإنما بدأ يلحظ بعد تدفق اللاجئين السوريين بشكلٍ كبير. إذ ازداد الوضع سوءاً على صعيد الكثافة السكانية وما يترتب عليها من بروز أحزمة البؤس التي تتفشى فيها حالات الإدمان”.
اللافت أيضاً بروز نسبة من الفتيات من إجمالي المدمنين في المنطقة. فقد “تبيّن معنا أن 80% من المدمنين هم ذكور و20% هم إناث، و80% منهم دون 40 سنة. لكنها نسب لا تعبّر عن الواقع الحقيقي، لأنّ معظم الأهالي يتجنبون الإعتراف بإدمان أولادهم، فيكتفون بمحاولات معالجتهم بأنفسهم، إمّا خوفاً من “الجرصة”، كما يعتقدون، وإما لسوء أوضاعهم الإقتصادية لأن مراكز العلاج موجودة خارج طرابلس، وهي مكلفة”. 
عثمان الذي وجه لوماً إلى الحكومة التي لم تضع على جدول أعمالها ملف مكافحة المخدرات، وإلى وزارة الصحة التي يجب أن تعمل على افتتاح مراكز علاج مجانيّة، يعتبر أن القانون لم يعد رادعاً بالنسبة إلى المدمنين، لأنّه “منح المدمن وقف تنفيذ العقوبة أو إعفاءه إذا كان قاصراً وتعهّد بعدم التكرار، من دون إحالته إلى مراكز علاجية ليصار إلى علاجه كونه يعتبر مريضاً وليس مجرماً. كما أن لائحة المخدرات لا تشمل بعض الحبوب المخدرة، كالبينزكسول التي يحصل عليها المدمنون مقابل 5 آلاف ليرة، وبعض الصيدليات في أحياء المنطقة لا تلتزم بمنع بيع هذا الدواء من دون وصفة طبيب، لأنّها تخاف ردّة فعل المدمن”. 
فوضى سجن القبّة

وعن واقع عمليات التوقيف، يشير مصدر أمني، لـ”المدن”، إلى أن “هناك آلية يتم العمل على تنفيذها بالتنسيق بين الأجهزة الأمنية. لكن المشكلة التي تواجه هذه الأجهزة في طرابلس، أنّه مقابل ارتفاع حالات القبض على مدمنين ومروجين، الذين ازدادت أعدادهم بعد معارك جبل محسن وباب التبانة وكذلك النزوح السوري، نواجه أزمة في تضخم الأعداد في سجن القبة، وهو السجن الوحيد في طرابلس”. فـ”تضطر إدارة السجن إلى خلط السجناء والموقوفين مع بعضهم. ما سهل طرق إدخال المخدرات إلى السجن، فمن يدخل مدمناً يخرج من السجن مروجاً، ومن يدخل مروجاً يصبح فيما بعد تاجراً”.
المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى