ميقاتي معدلا ً» يقاوم… وجنبلاط «يُبرّئ ذمته»
لم تنجح حتى الآن محاولات «التلقيح الاصطناعي» في استيلاد قانون جديد للانتخابات النيابية، برغم كثرة الاقتراحات المتداولة والتي اختلط فيها حابل النسبية بنابل الاكثري.
وما ان تتمكن فكرة معينة من شق طريق لها، وسط حقل الالغام والهواجس، حتى تستيقظ سريعا «الخلايا النائمة»، وتخرج الشياطين من جحور التفاصيل لتبدأ بالوسوسة والوشوشة، فيعود النقاش الانتخابي الى الدوران في الحلقة المفرغة مجددا.
ولأن قانون الانتخاب في لبنان يحتاج الى توافق الزامي، فان كل طرف يُمسك بقطعة من «بازل» القانون ويتمسك بها، في انتظار حصوله على التطمينات والضمانات الكافية، لمعرفته بان الصورة النهائية لا يمكن ان تكتمل من دون ان يفرج عن الجزء الموجود بحوزته.
وفيما استمرت خلال اليومين الماضيين المشاورات بشكل ثنائي بين بعض الاطراف، أضيف اقتراح النائب وليد جنبلاط الى قائمة المشاريع التجريبية، منافسا مشروع ميقاتي، وأفكار «المستقبل» و«القوات»، ومختلط باسيل، وغيرها من الطروحات المركبة.
ولعل مطالبة الرئيس نبيه بري الحكومة بان تتولى هي اعداد مشروع انتخابي كونها تمثل جميع الاطراف، إنما تعطي إشارة واضحة الى ان المفاوضات الثنائية والرباعية لم تتمكن بعد من تحقيق نتائج ملموسة يمكن البناء عليها.
ويبدو ان الثابت الوحيد في كل ما يُطرح حتى الآن هو التسليم بادراج الشوف وعاليه في دائرة واحدة، مراعاة لخصوصية جنبلاط الذي انطلق من «فلسفة» هذه الدائرة في صيغته المودعة لدى بري، مقترحا تعميم مبدأ الدمج وملامسا تخوم النسبية، في ما يشبه «تبرئة الذمة».
وبينما لا يزال «المستقبل» يرفض النسبية الكاملة، افادت بعض المعلومات ان «التيار الوطني الحر» يحاول اقناعه بدرس مشروع ميقاتي مليا والتجاوب معه، بعد تعديل عدد الدوائر ليصبح 15، على ان يخوضا الانتخابات معا في عدد من المناطق، وذلك من باب إراحة «المستقبل» الذي تردد بانه تبلغ ايضا من التيار البرتقالي استعداده للتباحث مع «حزب الله» في امكان دمـج صـيدا وجزين في دائرة واحدة.
وابلغ مواكبون لمشاورات الكواليس الانتخابية «الديار» ان مشروع ميقاتي معدلا لا يزال من بين الخيارات المحتملة، على قاعدة تحسين المواقع الانتخابية لـ «تيار المستقبل» في الشمال وبيروت وصيدا في مواجهة التطرف السني، ومراعاة وضع جنبلاط في الجبل من ضمن ضرورات حماية التوازن الوطني المرهف.
وفي حين يشدد الرئيس نبيه بري على تمسكه بالنسبية من جهة وبالتوافق من جهة أخرى، يؤكد مقربون من رئيس الجمهورية ميشال عون لـ «الديار» ان عون مصر اكثر من اي وقت مضى على اجراء الانتخابات، وفق قانون جديد، لافتين الانتباه الى ان أحدا ليس قادرا على افشال العهد في بدايته وإن كان البعض يرغب ربما في ذلك.
وفي سياق متصل، تقول مصادر «القوات اللبنانية» لـ «الديار» انه إذا كان متعذرا وضع قانون انتخاب ينصف المسيحيين، مع وجود عون في رئاسة الجمهورية وتحالف «القوات» معه، فان ذلك يعني ان الفرصة قد لا تتكرر مرة أخرى، مشددة على ضرورة الاستفادة من هذه اللحظة المؤاتية، من أجل انتاج قانون لا يلحق الغبن باي مكوّن داخلي.
ارسلان: النسبية ضرورة
ووسط تعدد الاجتهادات حيال ما يناسب الدروز، يؤكد رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني الوزير طلال ارسلان لـ «الديار» انه متمسك باعتماد النسبية الشاملة، مشيرا الى انه لا يرى في الافق ما هو أفضل من هذا الخيار.
ويعتبر ارسلان ان خصوصية النائب جنبلاط يمكن ان تراعى، حتى ضمن النسبية، لافتا الانتباه الى امكان تحويل «الشوف وعاليه» الى دائرة انتخابية واحدة.
ويشدد على ان النسبية الكاملة تؤدي الى استبدال آحادية التمثيل بتنوعه وتكسر الاحتكارات في الطوائف، مؤكدا ضرورة الانتهاء من نظرية الممثل الوحيد والشرعي لهذه الطائفة او تلك، وإذا كان البعض لا يحتمل النسبية فان لبنان لم يعد يحتمل ايضا استمرار التركيبة الحالية.
ويلفت الانتباه الى ان من شأن النسبية الكاملة، مع الصوت التفضيلي، ان تعزز وضع الدروز في المناطق وان تحولهم الى أقوى كتلة ناخبة في الشوف وعاليه وبعبدا، وبالتالي لا يجب القلق منها.
ويعرب عن اعتقاده بانه من الصعب التوفيق بين مبدأ المعيار الواحد ومشاريع «المختلط» على انواعها.
ويشير الى ان الايجابية الاهم التي خرج بها من لقائه مع الرئيس سعد الحريري، قبل ايام، تكمن في اصرار رئيس الحكومة على ان يكون هناك قانون جديد للانتخابات وتأكيده عدم العودة الى «الستين».
شهيب: لسنا عقبة
أما عضو اللقاء الديموقراطي النائب اكرم شهيب، فقال لـ «الديار» ان ما من أحد متفق مع الآخر على شيء بالنسبة الى قانون الانتخاب، حتى الآن، وما يحصل هو التداول في مجموعة أفكار، من دون حسم اي منها بعد.
ويشير شهيب الى ان هناك من يحاول ان يستغل طروحاتنا ليحملنا المسؤولية عن عدم التوافق على قانون الانتخاب، علما ان الآخرين ليسوا متفقين اصلا، بمعزل عن موقف النائب جنبلاط.
ويضيف: نحن لسنا عقبة امام تفاهم وطني على القانون، ولا نعطل اي تفاهم من هذا النوع، وكل ما في الامر اننا لا نريد ان نذوب، وفي كل الحالات نحن مطمئنون معتمدين على حيثيتنا الوجودية وتحالفاتنا السياسية، مع الاشارة الى ان التوازنات والتوافقات الوطنية هي التي تتحكم
ويشدد على أهمية دور الرئيس نبيه بري في محاولة انتاج تسوية انتخابية من خلال موقعه الوطني ورئاسته لمجلس النواب، الى جانب تأثير العلاقة المميزة بينه وبين النائب جنبلاط.
ويوضح ان ثوابتنا هي الآتية: حماية مصالحة الجبل والبناء عليها، اجراء الانتخابات النيابية في موعدها، والانفتاح على الحلول إذا وُجدت جدية في مقاربتها من الاطراف الاخرى.